“دراسة” مواقف الفاعلين فى الشرق الأوسط من الأزمة الأوكرانية: التوجهات والمحددات “3” تجريبي 1

إذا نظرنا إلى المواقف الفلسطينية سنجد عدم اتخاذ موقف رسمي حتى الآن، وتوزعت المواقف الفلسطينية غير الرسمية بين آراء عدة: الأول، يرى أن عدو عدوي صديقي، لذا يجب أن تكون فلسطين مع روسيا ظالمة أو مظلومة، وتراهن على عالم جديد تعددي الأقطاب المتصور أنه آتي حتمًا وبسرعة، كما يرى هؤلاء إمكانية قيام روسيا بالوقوف ضد إسرائيل، خصوصًا منعها من قصف سوريا لدعمها المعسكر المعادي لها.

الرأى الثانى، يرى أصحابه أن مكان فلسطين إلى جانب أوكرانيا وأصدقائها، لأنهم المعسكر الأقوى الذي لن يغفر لمن لم يقف معه، ويتغطى أصحاب هذا الموقف بسيادة الدول واستقلالها، غاضين النظر عن كل الجرائم التي ترتكبها أميركا وربيبتها إسرائيل، متجاهلين أن أميركا خذلت وستخذل كل حلفائها، ولا يهمها سوى مصلحتها. وأخيرًا يتمثل الرأى الثالث، فى تبنى موقف الحياد، ويمكن أن يكون حيادًا كليًا أو حيادًا إيجابيًا يميل إلى جانب الأصدقاء، على أساس عدم صحة المساواة بين المعسكرين[1].

ويمكن الإشارة إلى مجموعة من المحددات التى يتوقف عليها الموقف الفلسطينى من الأزمة الأوكرانية الحالية تتمثل أبرزها فى:

– وفق التجارب التاريخية، فأن كل أزمات وحروب أوروبا، خاصة منذ نهاية القرن التاسع عشر، قد أثرت عميقا على فلسطين والشعب الفلسطيني، فالمهاجرون اليهود الأوائل جاءوا من روسيا نتيجة الاضطهاد والمذابح التي لحقت بهم هناك، ثم جاءت الحرب العالمية الأولى وما نجم عنها من اتفاقية سايكس – بيكو، وهي الاتفاقية التي تقاسمت خلالها كل من بريطانيا وفرنسا الوطن العربي، بالإضافة إلى تصريح بلفور، وهو التصريح الذي تعهدت من خلاله بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وأخيرًا هجرة مئات آلاف اليهود نتيجة الاضطهاد والمحرقة النازية “الهولوكوست” قبيل وخلال الحرب العالمية الثانية، ما أدى إلى إنشاء إسرائيل واختفاء فلسطين عن الخارطة وتشريد أهلها[2].

– أنه من غير المتوقع أن تسعى القوى الكبرى (الصين وروسيا) المنافسة للقوى الإستعمارية الغربية التقليدية (أمريكا وبريطانيا) والتي لن تعود بعد اليوم تتربع لوحدها على عرش قيادة النظام الدولي، مباشرة الى فرض الرؤية الدولية الخاصة بمعالجة الصراع على إسرائيل في المدى المنظور، خاصة وأن وحدة الفلسطينيين تغيب عنهم ويبدو أنها باتت بعيدة عن قدرة هذا الجيل على تحقيقها، علاوة على أن البعض من العرب الذين يعتبرون العمق الإستراتيجي للفلسطينيين، قد قطعوا شوطاً لا بأس به في الإنزياح لصالح الرواية الإستعمارية الصهيونية على حساب رواية الحق الفلسطينية، بمعنى أن قوى قيادة النظام العالمي الجديد لن تكون ملكية أكثر من الملك[3].

– أن روسيا صديقة لفلسطين، وكانت صديقة وحليفة لهم زمن الاتحاد السوفييتي والحرب الباردة (رغم الأخطاء التي ارتكبت في الماضي والحاضر، وأكبرها الاعتراف السوفييتي السريع بإسرائيل)، إلى حد يمكن الجزم بأنّ انهيار الاتحاد السوفييتي وحدوث السيطرة الانفرادية الأميركية على العالم، أحد أهم الأسباب التي تفسر التدهور الخطير في الوضع الفلسطيني منذ اتفاق أوسلو وحتى الآن. وهناك أمل إذا توفرت الشروط الذاتية الفلسطينية أن تنهض فلسطين وتأخذ مكانها في خارطة العالم الجديد، الذي ستأخذ الصين، وبدرجة أقل روسيا، مكانة متقدمة فيه. وبكل أسف لا يوجد ما يكفي من جهود لتحقيق هذه الشروط.

– أن رئيس أوكرانيا يهودي، ولا يوجد مشكلة في ذلك، وإنما هو صهيوني وحامل للجنسية الإسرائيلية، وكذلك رئيس وزرائه وعدد من وزراء حكومته صهاينة. وكان موقف زيلينسكي مؤيدًا القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وأيّد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وكان موقفه معاديًا للفلسطينيين حتى فيما يتعلق بعمليات الاقتلاع والتطهير العرقي في الشيخ جراح[4].